موقع معروف

النشرة القانونية

للاشتراك مجانًا بخدمة الأخبار القانونية التي تقدمها شبكة المحامين العرب، ومتابعة أهم الأخبار القانونية اليومية ، ارسل كلمة " اشترك - الإمارات " أو "Subscribe - uae" على الرقم التالي ثم اضف رقم الخدمة بقائمة جهات الإتصال لديكم

 تصنيف الخبر    قضايا وآراء قانونية    صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. الحبس الاحتياطي للطفل

السبت 13 شعبان 1442هـ - 27 مارس 2021م

صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. الحبس الاحتياطي للطفل

بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
تنقسم مراحل المسئولية الجنائية للطفل أو الحدث إلى ثلاث مراحل؛ أولها، مرحلة انعدام المسئولية الجنائية، وتمتد منذ لحظة الميلاد إلى بلوغ سن السابعة (المادة الرابعة والتسعون من قانون الطفل المصري رقم 126 لسنة 2008م؛ المادة السادسة من القانون الاتحادي رقم 9 لسنة 1976 في شأن الأحداث الجانحين والمشردين بدولة الإمارات العربية المتحدة؛ المادة السابعة من القانون القطري رقم 1 لسنة 1994 بشأن الأحداث).
أما المرحلة الثانية، وهي مرحلة الحكم بالتدابير، فتمتد من سن السابعة إلى سن الثانية عشرة أو الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، وذلك على حسب المذهب التشريعي الذي يعتنقه المشرع الجنائي الوطني. وتمتد المرحلة الثالثة من سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة إلى السن التي تنتهي معها توصيف الطفولة أو الحداثة، والتي قد تكون السادسة عشرة أو السابعة عشرة أو الثامنة عشرة حسب المذهب التشريعي التي يتبناه المشرع الجنائي، وفي هذه المرحلة الأخيرة، يغدو جائزاً الحكم بالعقوبة الجنائية، مع استبعاد العقوبات الجسيمة مثل الإعدام والسجن المؤبد.
وغني عن البيان أن التساؤل عن مدى جواز الحبس الاحتياطي للطفل لا يثور في المرحلة الأولى، أي مرحلة انعدام المسئولية. في المقابل، فإن هذا التساؤل يبدو طبيعياً ومستساغاً في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الحكم بالعقوبة الجنائية. وقد يثور هذا التساؤل على استحياء في المرحلة الثانية، وهي مرحلة الحكم بالتدابير. ومن ناحية أخرى، فإن التساؤل عن مدى جواز الحبس الاحتياطي لا يثور بطبيعة الحال في حالات التشرد أو التعرض للخطر أو في مواجهة الطفل أو الحدث المشرد، وإنما تثور فقط في حالات الجنوح أو في مواجهة الطفل أو الحدث الجانح أو الحدث المنحرف.
وفي الإجابة عن التساؤل سالف الذكر، وباستقراء التشريعات الجنائية العربية في شأن الأطفال أو الأحداث، نرى من الملائم التمييز بين ثلاثة مذاهب تشريعية مختلفة، نتناول كل مذهب منها في مطلب منفصل، متبعين ذلك بمطلب رابع عن استشراف المستقبل بشأن صياغة نصوص الحبس الاحتياطي للطفل، وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: مذهب جواز الحبس الاحتياطي.
المطلب الثاني: مذهب جواز الحبس في مرحلة المسئولية الجنائية الناقصة.
المطلب الثالث: مذهب حظر الحبس الاحتياطي.
المطلب الرابع: استشراف المستقبل بشأن صياغة نصوص الحبس الاحتياطي للطفل.
المطلب الأول
مذهب جواز الحبس الاحتياطي
في جمهورية السودان، وتحت عنوان «القبض والحبس»، تنص المادة الثامنة والخمسون البند الأول من قانون الطفل لسنة 2010م على أن «لا تتخذ إجراءات القبض والحبس في مواجهة الطفل الجانح إلا بعد تكليف ولي الأمر بالحضور، ولا يجوز تنفيذ أمر القبض إلا بوساطة شرطة حماية الأسرة والطفل». ويحظر البند الرابع من المادة ذاتها إبقاء أي طفل عند حبسه احتياطياً مع أشخاص بالغين، كما تحظر أن تجاوز فترة بقاء الطفل بدار الانتظار سبعة أيام. وتحت عنوان «دور الانتظار»، تنص المادة التاسعة والخمسون من القانون ذاته على أن:
(1) تنشئ وزارة الداخلية دوراً للانتظار وفقاً للمعايير الدولية تخصص للأطفال الذين ينتظرون التحري أو المحاكمة.
(2) يتلقى الأطفال أثناء فترة بقائهم بدور الانتظار الرعاية والحماية وجميع أنواع المساعدات القانونية والمجتمعية والتعليمية والمهنية والنفسية والطبية التي تلزمهم مع مراعاة نوعهم وشخصيتهم وظروفهم الخاصة».
وتنص المادة الرابعة والستون من القانون ذاته على أن «يجوز بأمر من وكيل نيابة الطفل أثناء سير التحري أو من قاضي محكمة الطفل أثناء المحاكمة توقيف الطفل توقيفاً تحوطياً في دار الانتظار إذا كانت ظروف الطفل أو طبيعة الفعل المعاقب عليه تستوجب ذلك». وهكذا، يجيز المشرع السوداني حبس الطفل احتياطياً، على أن يتم تنفيذ هذا الإجراء التحوطي في أحد دور الانتظار.
والإطار ذاته، وفي دولة قطر، وطبقاً للمادة السادسة والعشرين من القانون رقم (1) لسنة 1994م بشأن الأحداث، «يجوز لشرطة الأحداث – مراعاةً لمصلحة التحقيق أو مصلحة الحدث نفسه – حبس الحدث المنحرف احتياطيًا مدة لا تجاوز ثمانٍ وأربعين ساعة من تاريخ القبض عليه وإذا رئي استمرار حبسه وجب عرض الأوراق على محكمة الأحداث للنظر في مد حبسه لمدة لا تجاوز أسبوعًا ويجوز تجديدها لمدة أو مدد أخرى مماثلة. ويكون تنفيذ الحبس الاحتياطي في دار الملاحظة. كما يجوز لشرطة الأحداث أو المحكمة حسب الأحوال الأمر بتسليم الحدث إلى أحد والديه أو لمن له عليه حق الولاية أو الوصاية للتحفظ عليه وتقديمه عند كل طلب». والبين من هذا النص أن المشرع الجنائي القطري يجيز حبس الحدث احتياطياً، مقرراً تنفيذ هذا الإجراء في دار الملاحظة.
وعوضاً عن هذا الإجراء، وكبديل له، يجيز المشرع لشرطة الأحداث أو المحكمة حسب الأحوال أن تأمر بتسليم الحدث إلى أحد والديه أو لمن له حق الولاية أو الوصاية عليه للتحفظ عليه وتقديمه عند كل طلب. ولم يقرر المشرع جزاءً معيناً في حالة تخلف الولي أو الوصي عن تقديم الحدث عند كل طلب. ومن ناحية أخرى، يجيز المشرع القطري حبس الحدث المنحرف احتياطياً. والحدث المنحرف – طبقاُ للتعريف الوارد بالمادة الأولى من القانون – هو كل حدث ارتكب جناية أو جنحة.
ووفقاً للتعريف الوارد بالمادة ذاتها، فإن الحدث هو «كل ذكر أو أنثى أتم السابعة من عمره ولم يبلغ السادسة عشرة من عمره وقت ارتكاب الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف». ومؤدى ذلك هو جواز الحبس الاحتياطي للحدث المنحرف، وينطبق هذا الوصف على الحدث الذي يرتكب جناية أو جنحة، متى تم ارتكابها في المرحلة العمرية الممتدة من السابعة إلى السادسة عشرة من العمر.
وفي المملكة العربية السعودية، فإن صياغة النصوص ذات الصلة بحبس الحدث احتياطياً أو توقيفه قد وردت بطريقة تؤكد أن الأصل هو عدم جواز إيقاف الحدث، والاستثناء هو جواز الإيقاف، وهذه الصياغة في اعتقادنا تفضل كثيراً صياغة كل من القانونين السوداني والقطري. فوفقاً للمادة السابعة من نظام الأحداث السعودي الصادر بالمرسوم رقم م/ 113 تاريخ 19/ 11/ 1439ه، «لا يجوز إيقاف الحدث لغرض التحقيق؛ ما لم تر النيابة أن المصلحة تقتضي إيقافه، وفي جميع الأحوال لا يوقف الحدث إلا في الدار، ويكون أمر الإيقاف مسبباً». وتحدد المادة الثامنة الحكم القانوني واجب التطبيق في حالة ما إذا لم تكن ثمة دار في المحافظة أو المركز الذي يقيم فيه الحدث، وذلك بنصها على أنه:
إذا لم تكن هناك دار في المحافظة أو المركز الذي يقيم فيه الحدث المراد إيداعه أو إيقافه، فيرحل فورًا إلى أقرب دار لمكان إقامته.
يرحل الحدث الذكر بصحبة ولي أمره أو من يقوم مقامه، وإن تعذر ذلك فيرحل بصحبة مندوب من الوزارة إن أمكن أو بما يمنع الانفراد به، وإن كان الحدث أنثى فترحل بصحبة ولي أمرها أو من يقوم مقامه، وإن تعذر ذلك فترحل بصحبة محرم لها أو سجانة أو أكثر إن أمكن أو بما يمنع الخلوة». وتنص المادة التاسعة من القانون ذاته على أن «ينتهي توقيف الحدث بمضي خمسة أيام، إلا إذا رأى المحقق تمديد مدة التوقيف، فيجب – قبل انقضائها – أن يقوم بعرض الأوراق على رئيس فرع النيابة، أو من ينيبه من رؤساء الدوائر الداخلة في نطاق اختصاصه، ليصدر أمراً بالإفراج عن الحدث أو بتمديد التوقيف مدة أو مدداً متعاقبة، على ألا تزيد في مجموعها على خمسة عشر يوماً من تاريخ القبض عليه. وفي الحالات التي تتطلب التوقيف مدة أطول، يرفع الأمر إلى النائب العام أو من يفوضه من نوابه؛ ليصدر أمره بالتمديد مدة أو مددًا متعاقبة لا تزيد أي منها على عشرة أيام، ولا يزيد مجموعها على ستين يوماً من تاريخ القبض على الحدث، ويتعين بعدها مباشرة إحالته إلى المحكمة المختصة أو الإفراج عنه. وفي الحالات التي تتطلب التوقيف مدة أطول، للمحكمة الموافقة على طلب تمديد التوقيف مدة أو مدداً متعاقبة بحسب ما تراه، وأن تصدر أمراً قضائيًّا مسبباً في ذلك».
وتنص المادة العاشرة من لائحة دور الملاحظة الاجتماعية، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 611 تاريخ 13/5/1395هـ، على أنه:
(أ) في جميع الأحوال يسلم الحدث فور إلقاء القبض عليه إلى السلطات المختصة في دور الملاحظة الاجتماعية وتجري الجهة المختصة التحقيق معه داخل الدار بحضور المختصين فيها.
(ب) تتم محاكمة الأحداث ومجازاتهم داخل دور الملاحظة وذلك بالاتفاق بين وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والجهات المختصة».
المطلب الثاني
مذهب جواز الحبس الاحتياطي في مرحلة المسئولية الجنائية الناقصة
خلافاً للمذهب الأول، فإن بعض التشريعات الجنائية العربية المتعلقة بجناح الأحداث أو الأطفال تحظر الحبس الاحتياطي في المرحلة السابقة على جواز الحكم عليه بعقوبة جنائية. فطالما أنه لا يجوز الحكم على الحدث بعقوبة جنائية، فلا يجوز حبسه احتياطياً. وإذا جاز الحكم عليه بعقوبة جنائية، جاز حبسه احتياطياً. وهكذا، يربط المشرع بين الأمر بالحبس الاحتياطي وبين جواز الحكم بالعقوبة الجنائية.
ففي القانون المصري، على سبيل المثال، كانت المادة السادسة والعشرين من القانون الملغي رقم 31 لسنة 1974م بشأن الأحداث تنص على أن «لا يجوز حبس الحدث الذي لا تجاوز سنه خمس عشرة سنة حبسا احتياطيا، وإذا كانت ظروف الدعوى تستدعي التحفظ على الحدث، جاز الأمر بإيداعه إحدى دور الملاحظة وتقديمه عند كل طلب، على ألا تزيد مدة الأمر بالإيداع الصادر من النيابة العامة على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها.
ويجوز بدلا من الإجراء المنصوص عليها في الفقرة السابقة الأمر بتسليم الحدث إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب، ويعاقب على الإخلال بالواجب المنصوص عليه في الفقرة السابقة بغرامة لا تجاوز عشرين جنيها». ورغم إلغاء هذا القانون، فإن الحكم الوارد به ظل كما هو دونما تعديل أو تغيير في ظل المادة (119) من قانون الطفل المصري رقم 126 لسنة 2008م، بنصها على أن «لا يحبس احتياطيا الطفل الذي لم يبلغ خمس عشرة سنة، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب إذا كانت ظروف الدعوى تستدعي التحفظ عليه، على ألا تزيد مدة الإيداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها لقواعد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.
ويجوز بدلا من الإجراء المنصوص عليه في الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلي أحد والديه أو من له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب، ويعاقب على الإخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه».
وفي الاتجاه ذاته، وفي دولة الكويت، وطبقاً للمادة الثامنة عشرة من قانون الأحداث رقم (111) لسنة 2015م، «إذا اقتضت مصلحة التحقيق أو مصلحة الحدث الذي بلغ الخامسة عشرة من عمره وارتكب جناية أو جنحة تقتضي حبسه احتياطيًا، جاز الحبس احتياطيًا لمدة لا تزيد على أسبوع من تاريخ القبض عليه ويجب عرضه على محكمة الأحداث للنظر في تجديدها لمدة أو لمدد أخرى بما لا يجاوز ثلاثة أشهر. ولا يحبس احتياطيًا الحدث الذي لم يبلغ خمس عشرة سنة، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة وتقديمه عند كل طلب إذا كانت ظروف الدعوى تستدعي التحفظ عليه، على ألا تزيد مدة الإيداع على أسبوع من تاريخ ضبطه ما لم تأمر المحكمة مدها وفقًا لحكم الفقرة السابقة.
ويجوز بدلاً من الإيداع المنصوص عليه في الفقرة السابقة الأمر بتسليم الحدث إلى متولي رعايته على أن يلتزم بتقديمه عند طلبه بمعرفة النيابة أو المحكمة، ويعاقب كل من يخل بهذا الالتزام بغرامة لا تجاوز مائتي دينار عن كل مرة يخل فيها بالتزامه.
كما يجوز لمحكمة الأحداث عند النظر في مد قرار الحبس أو التحفظ الأمر بتسليم الحدث إلى متولي رعايته للتحفظ عليه وتقديمه عند كل طلب.
المطلب الثالث
مذهب حظر حبس الطفل احتياطياً
تتبنى بعض التشريعات العربية مذهب حظر حبس الحدث احتياطياً، فلا يجوز مطلقاً حبس الحدث احتياطياً، أياً كانت المرحلة العمرية التي يمر بها، ولو بلغ السن التي تجيز الحكم فيها عليه بعقوبة جزائية. وإذا اقتضت مصلحة التحقيق أو ظروف الدعوى اتخاذ إجراء تحفظي، يجيز المشرع للنيابة العامة أو لجهة التحقيق حسب الأحوال أن تأمر بإيداعه إحدى دور التربية المعدة لرعاية الأحداث.
ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، وطبقاً للمادة الثامنة والعشرين من القانون الاتحادي رقم (9) لسنة 1976م في شأن الأحداث الجانحين والمشردين، «لا يجوز حبس الحدث احتياطيًا. على أنه إذا كانت ظروف الدعوى تستدعي اتخاذ إجراء تحفظي ضده جاز للنيابة العامة أن تأمر بإيداعه إحدى دور التربية المعدة لرعاية الأحداث على ألا تزيد مدة الإيداع على أسبوع ما لم توافق المحكمة على مدها. ويجوز بدلاً من إيداع الحدث دار التربية الأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى من له الولاية أو الوصاية عليه على أن يكون ملتزماً بتقديمه عند كل طلب».
وفي الإطار ذاته، وفي مملكة البحرين، وطبقاً للمادة الرابعة والعشرين من المرسوم بقانون رقم (17) لسنة 1976 في شأن الأحداث، «لا يجوز حبس الحدث احتياطياً، وإذا كانت ظروف الدعوى تستدعي التحفظ عليه جاز للمحكمة أن تأمر بتسليم الحدث إلى واحد ممن ذكروا في المادة 8 من هذا القانون للمحافظة عليه وتقديم الحدث عند كل طلب. ويعاقب على الإخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز عشرين ديناراً. ويجوز للمحكمة بدلا من الإجراء السابق أن تأمر بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو الجمعيات الاجتماعية المنصوص عليها في المادة 12 من هذا القانون لتنفيذ ما نص عليه في الفقرة السابقة، على ألا تزيد مدة الإيداع في كل مرة عن أسبوع. وإذا تعذر تنفيذ أي من الإجراءين المتقدمين أمرت المحكمة بأن يكون الإيداع في مركز رعاية الأحداث التابع لوزارة الداخلية».
وفي الاتجاه ذاته، وفي سلطنة عمان، ووفقاً للمادة الثانية والثلاثين من قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30/ 2008، «للادعاء العام إذا اقتضت مصلحة التحقيق أو مصلحة الحدث الجانح أن يودعه دار ملاحظة الأحداث مدة لا تجاوز ثماني وأربعين ساعة من تاريخ القبض عليه، ويجوز تجديد المدة بإذن من المدعى العام لمدة لا تجاوز سبعة أيام، فإذا رأى استمرار إيداعه عرض الأمر قبل انتهاء هذه المدة على المحكمة للنظر في التمديد لمدد أخرى وبما لا يزيد على خمسة وأربعين يوماً. وإذا أحيل الحدث إلى المحكمة فلها أن تمد الإيداع لمدد لا تزيد على ثلاثة أشهر، وإلا وجب إنهاء الإيداع».
المطلب الرابع
استشراف المستقبل بشأن صياغة نصوص الحبس الاحتياطي للطفل
رأينا فيما سبق أن ثمة مذاهب تشريعية ثلاثة بشأن مدى جواز الحبس الاحتياطي للطفل أو الحدث، بحيث يحظر بعضها الحبس الاحتياطي، بينما يجيز بعضها الحبس الاحتياطي للحدث المنحرف، ويقصر البعض هذا الجواز على مرحلة المسئولية الجنائية الناقصة، وهي المرحلة التي يجوز فيها الحكم على الطفل أو الحدث بالعقوبة الجنائية. ومع ذلك، وبإمعان النظر في النصوص الواردة في التشريعات العربية بشأن الأطفال أو الأحداث، يمكن القول إن الاختلاف بينها نظري بحت يتعلق بصياغة النصوص فحسب، دون أن يكون ثمة اختلاف بينها من الناحية الواقعية أو العملية. إذ تجيز التشريعات كافة إيداع الحدث الجانح أو المنحرف إحدى دور الملاحظة أو الانتظار أو الرعاية.
وسواء أطلقنا على هذا الإجراء توصيف «الحبس الاحتياطي» أو تم تكييفه على أنه «إيداع»، فإن النتيجة واحدة في الحالين، وهي حرمان الطفل أو الحدث من حريته الشخصية في الانتقال والذهاب والرواح.
وسواء أجاز المشرع الحبس الاحتياطي أو استخدم لفظ الإيداع، فإن النتيجة واحدة من حيث مكان تنفيذ الإجراء، لاسيما وأن إجماع التشريعات الجنائية المتعلقة بالأحداث منعقد على حظر احتجاز أو حبس أو سجن الأحداث مع غيرهم من البالغين، يستوي في ذلك تنفيذ الحبس الاحتياطي أو تنفيذ العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها ضده.
فعلى سبيل المثال، تنص المادة (112) من قانون الطفل المصري رقم 126 لسنة 2008م على أن «لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين في مكان واحد، ويراعي في تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة. ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة ألاف جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة احتجز أو حبس أو سجن طفلاً مع بالغ أو أكثر في مكان واحد».
وفي الاتجاه ذاته، وطبقاً للمادة الحادية والعشرين من قانون الأحداث القطري، «تنفذ عقوبة الحبس التي تصدر ضد الحدث المنحرف في دار الإعداد الاجتماعي».
ومن ناحية أخرى، الملاحظ في التشريعات الجنائية الحديثة بشأن البالغين هو التوسع في بدائل الحبس الاحتياطي. والتساؤل الذي يفرض نفسه في هذا الشأن هو مدى جواز تطبيق النصوص المقررة لبدائل الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية على الطفل أو الحدث. ويثور هذا التساؤل بوجه خاص بالنسبة للمراقبة الإلكترونية والضمان المالي.
وفيما يتعلق بهذا الإجراء الأخير، يثور التساؤل عما إذا كان الملزم بالضمان المالي هو الحدث أو الطفل نفسه أم الولي أو الوصي عليه.
ومن ناحية ثالثة، تجدر الإشارة إلى أن التشريعات الجنائية المتعلقة بالأحداث أو الأطفال تجيز بدلاً من الحبس تسليم الطفل أو الحدث إلى أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه. والتسليم لا يعني بالضرورة تقييد حرية الطفل أو الحدث في الغدو والرواح.
ويثور التساؤل عما إذا كان من الملائم تقرير «الحبس المنزلي» كإجراء بديل للحبس الاحتياطي، بحيث يتم تقييد حرية الحدث أو الطفل في الغدو والرواح. ويثور التساؤل أيضاً عن مدى ملاءمة الأمر بحظر أو تقييد دخول الطفل أو الحدث على الإنترنت أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كإجراء تحوطي أو احتياطي سابق على صدور حكم نهائي في الدعوى المقامة ضد الطفل، لاسيما إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى الطفل تتعلق بالعالم الافتراضي.
وأخيراً، وفي إطار الاتجاه المتعاظم في التشريعات الجنائية الحديثة نحو أنسنة النصوص، نعتقد من الملائم تفادي استخدام ألفاظ الحبس الاحتياطي والتوقيف والقبض في مواجهة الأحداث، والاستعاضة عنها بمصطلحات «الإيداع» وغيرها من الاصطلاحات التي تؤدي ذات المعنى، وبدون التسبب في أذى نفسي للطفل أو ذويه.
ومن ناحية ثالثة، يثور التساؤل عما إذا كانت تقنيات الثورة الصناعية الرابعة أو ثورة الذكاء الاصطناعي أو ثورة البيانات الضخمة، ولاسيما تقنية التعرف على الوجوه، من شأنها الحد من مبررات اللجوء إلى الحبس الاحتياطي أو الإيداع الاحتياطي، ولاسيما في مواجهة الأطفال أو الأحداث. إذ يمكن من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي مراقبة الشخص بشكل دائم ومستمر، ومعرفة مكان وجوده، دون حاجة إلى حبسه احتياطياً، الأمر الذي يمكن أن تنتفي معه مبررات اللجوء إلى اتخاذ هذا الإجراء التحوطي. والله من وراء القصد…