موقع معروف

النشرة القانونية

للاشتراك مجانًا بخدمة الأخبار القانونية التي تقدمها شبكة المحامين العرب، ومتابعة أهم الأخبار القانونية اليومية ، ارسل كلمة " اشترك - الإمارات " أو "Subscribe - uae" على الرقم التالي ثم اضف رقم الخدمة بقائمة جهات الإتصال لديكم

 تصنيف الخبر    قضايا وآراء قانونية    التجديد القانوني للخطاب الديني.. الموت الدماغي

نقابة المحامين 21 أكتوبر، 2021

التجديد القانوني للخطاب الديني.. الموت الدماغي

بقلم الدكتور / أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهر
«الموت هو الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الشك». قال تعالى: ]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ(. (سورة آل عمران: 185). ويقول البعض إن «أعظم حقيقة في حياتنا هي الموت، بل هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة». ومع ذلك، وإذا كانت حقيقة الموت لا تثير أدنى شك أو ريبة، فإن لحظة تحقق الموت قد يثور بشأنها الشك أو الريبة، وبحيث يثور الخلاف بين ما إذا كانت الحياة تنتهي بتوقف القلب تماماً ونهائياً عن النبض أم يمكن أن تنتهي كذلك بمجرد توقف المخ عن القيام بوظائفه، ولو بقيت لدى المريض القدرة على التنفس وخفقان القلب، وهو ما يعرف باسم «الموت الدماغي» أو «الوفاة الدماغية» أو «موت جذع المخ».
ومصطلح «الموت الدماغي» (Brain death)، المعروف أيضاً باسم «الموت الاكلينيكي» (Clinical death)، ويعرف كذلك باسم «الموت السريري»، يعني توقُّف الدماغ عن القيام بوظائفه، وبحيث لا يستجيب المريض لأيَّ مُحفِّزات، ولا يكون بالتالي العلاج مفيداً؛ وبمجرَّد تأكيد هذا التشخيص بواسطة الأطباء، يُعَدُّ المريض متوفِّياً من الناحية القانونية.
وفي الماضي، كانت فكرة «الموت الدماغي» غير معروفة، لأنَّ الجسم يموت عندما يموت الدماغ؛ ممَّا يعني توقف المريض عن التنفس وتوقُّف القلب عن النبض؛ إلَّا أنَّ الاستعمال الحالي للوسائل الاصطناعية (مثل المُنفِّسات والأدوية) يُتيح بشكلٍ مؤقَّت المحافظة على التَّنفُّس وعلى خفقان القلب، رغم التَّوقُّف الكلِّي لنشاط الدماغ. ولكنَّ، ورغم مساعدة الوسائل الاصطناعيَّة، فإن جميعَ أعضاء الجسم تتوقَّف عن القيام بوظائفها في نهاية المَطاف. وبمجرد حدوث الموت الدماغي، لا يمكن لأيِّ إجراءٍ أن يُحافظ على ضربات القلب إلى أجلٍ غيرَ مُسمَّى.
ومؤخراً، بدأت فكرة الموت الدماغي تأخذ طريقها إلى الأوساط الطبية والعلمية، وبحيث شهد العالم العديد من الحالات لمرضى مات دماغهم، وبحيث توقف الدماغ عن القيام بوظائفه، ومع ذلك بقيت لدى المريض القدرة على التنفس وخفقان القلب رغم التوقف الكلي لنشاط الدماغ. بل إنه في بعض الحالات، قد يولد طفل لامرأة ميتة دماغياً. فعلى سبيل المثال، وفي دولة البرتغال، وفي العام 2016م، وُلد الطفل، لورنسو، في العاصمة البرتغالية لشبونة، بعد أن عاش خمسة عشر أسبوعاً في رحم والدته المتوفاة.
وفي العام 2019م، وتحديداً في يوم الخميس الموافق الثامن والعشرين من مارس 2019م، شهدت دولة البرتغال حالة مماثلة أخرى، حيث ولد طفل لامرأة أخرى ميتة دماغياً منذ شهر ديسمبر 2018م، أي أن الجنين بقي في رحم والدته المتوفاة أكثر من ثلاثة أشهر. ووُلدت الطفلة، سلفادور، بعد حمل دام قرابة 32 أسبوعاً، وجرى رعايتها في مستشفى مخصص للأطفال حديثي الولادة. وهذه هي الحالة الثانية من نوعها في البرتغال لطفل مولود من أم ميتة دماغياً. ووُلد الطفل بوزن 1.7 كيلوجرام (3.75 رطل)، وبقي في المستشفى لمدة زادت على ثلاثة أسابيع. وعقب الولادة، أقيمت جنازة السيدة التي تبلغ من العمر 26 عاماً. إذ أُعلنت الرياضية الدولية كاتارينا سيكيرا ميتة دماغياً، بعد إصابتها بنوبة ربو حادة في منزلها. وقد عانت سكويرا، وهي رياضية موهوبة مثلت بلدها في منافسات سباق الزوارق، من الربو منذ طفولتها. وتعرضت لنوبة ربو عندما كانت حاملاً في الأسبوع التاسع عشر، ووضعت في غيبوبة مستحثة طبياً. ومع ذلك، تدهورت حالتها، وفي غضون أيام، أُعلن عن موتها دماغياً في السادس والعشرين من ديسمبر 2018م، بحسب التقارير. وقد تم توصيل جهاز التنفس الصناعي بها لمدة 56 يوماً، لتمكين طفلها من البقاء على قيد الحياة في رحمها. وقال الأطباء إن النية كانت هي الانتظار حتى يوم الجمعة حتى تصل الأم إلى 32 أسبوعاً من الحمل، لكن حالتها التنفسية تدهورت وتم تقديم العملية القيصرية يوماً واحداً، بحيث أجريت يوم الخميس. وقال مسؤولو المستشفى إن فترة الحمل لمدة 32 أسبوعاً، هي الفترة التي يكون فيها احتمال بقاء الأطفال على قيد الحياة مرتفعاً للغاية. وأوضحت رئيسة لجنة الأخلاقيات بالمستشفى أنّ قرار إبقاء الطفل على قيد الحياة في رحم الأم تم اتخاذه في نقاش مع الأسرة ولأنها لم تنسحب أبداً من قانون الموافقة المفترضة للتبرع بالأعضاء في البرتغال. وقالت: «لا يتعلق كونك متبرعاً فقط بكونك في وضع يسمح لك بالتبرع بالكبد أو القلب أو الرئة، ولكن أيضاً في أن تكون في وضع يسمح لك بالتبرع لنفسك حتى يتمكن الطفل من العيش». وقالت لموقع «أوبزرفادور» الإلكتروني: «لا يحق لأي شخص مقاطعة عملية اتخاذ قرار الأم». وقد أراد والد الطفل، وجميع أفراد الأسرة أن يولد ذلك الطفل. إذ قالت والدة سكويرا، ماريا دي فاطمة برانكو، للتلفزيون البرتغالي إنها ودعت ابنتها في 26 ديسمبر وأن قرار الاحتفاظ بالطفل قد اتخذ، لأن الأب برونو كان يريد دائماً أن يكون أباً.
وفي جمهورية التشيك، وفي شهر أغسطس 2019م، قام الأطباء بإجراء عملية ولادة قيصرية لامرأة ميتة دماغياً منذ حوالي أربعة أشهر، وبحيث تمكنت من إنجاب طفلة سليمة. وأوضح الأطباء في المستشفى الجامعي بمدينة برنو التشيكية أن الطفلة ولدت في الأسبوع الرابع والثلاثين من الحمل، أي بعد 117 يوماً من إعلان وفاة والدتها دماغياً. وقال رئيس قسم التخدير في المستشفى، إن هذه الطفلة التي تزن 2,13 كيلو جرام هي واحدة من بين أثقل الأطفال الذين يولدون لنساء متوفيات دماغياً وأكثرهم نضجاً. وجرى إعلان وفاة الأم دماغيا بعد إصابتها بنزيف في أبريل، عندما كانت في الأسبوع السادس عشر من الحمل. وقد حافظ الأطباء على قلبها ورئتيها وكليتيها وأعضاء أخرى في حالة عمل، فيما كانوا يراقبون الجنين. وبعد الولادة، تم فصل المرأة عن أجهزة الإنعاش.
قد يرى البعض في هذه الوقائع تصديقاً لقوله تعالى: ]يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ(. (سورة الروم: الآية 19). ويمكن أن يجد ذلك قبولاً وسروراً من الكثيرين، باعتباره تطبيقاً حياً للآية القرآنية الكريمة. وقد يجد البعض في ذلك أحد الأمثلة على الإعجاز وإحدى الآيات الدالة على قدرة الله عز وجل. ولكن، وعند القول إن الموت الدماغي يعد موتاً حقيقياً، فإن ذلك لن يجد قبولاً لدى الكثيرين، والذين يقولون بضرورة التوقف الكلي لكل أعضاء الجسم، وعلى رأسها القلب، حتى تتحقق الوفاة من الناحية الشرعية.
ومن جانبنا، وللوقوف على حقيقة الموت الدماغي، وما إذا كان الشخص يعد ميتاً في هذه الحالة، رغم بقاء القدرة لديه على التنفس ونبض القلب، أم ينبغي الانتظار حتى تتوقف كل أجهزة الجسم تماماً. ووجه الأهمية في هذا التساؤل أن بعض أعضاء الجسم يتعذر الاستفادة منها بنقلها إلى شخص آخر محتاج إليها إذا توقف القلب تماماً. وللإجابة عن هذا التساؤل، نرى من الملائم والمفيد والضروري استعراض الآراء الطبية والشرعية في هذا الشأن، وذلك قبل أن نبين الحكم القانوني المقرر بهذا الشأن في التشريعات العربية والأجنبية، وذلك في مباحث ثلاثة، كما يلي:
المبحث الأول: رأي الطب بشأن الموت الدماغي.
المبحث الثاني: الحكم الشرعي في شأن الموت الدماغي.
المبحث الثالث: الموت الدماغي في خطة التشريعات العربية.
المبحث الأول
رأي الطب بشـأن الموت الدماغي
على حد قول أحد الأطباء المعاصرين، فإن أي طالب في كلية الطب يعرف أن الموت في كتب الطب الشرعي وطب الأعصاب هو الموت الدماغي، أو ما يطلق عليه موت جذع المخ، ولو دخل هذا الطالب امتحان الشفوي وذكر في إجابته أن الموت هو انخساف الصدغين وتدلى الخصيتين وانفراج الشفتين وانفصال الزندين، فإن هذا الطالب سيحصل على صفر مع الرأفة، لأن علامات الموت الطبية شيء آخر تماماً، ورسم المخ فيه أصدق أنباء من الكتب الفقهية! وثمة أشياء أخرى مع رسم المخ يمكن الحديث عنها.
وما دمنا نتحدث عن الموت، فمن الطبيعي أن يكون الرأي الطبي محورياً وفاصلاً في هذا الشأن، وذلك من خلال الإجابة عن بعض التساؤلات ذات الصلة، حيث نعرض لكل سؤال منها والإجابة عنها، وذلك كما يلي:
كيف يمكن تشخيص الموت الدماغي والتمييز بينه وبين الغيبوبة؟
بحسب النظريات والممارسات الطبية الحديثة، توجد معايير مُحدَّدة لتشخيص الموت الدماغي. وبعض هذه المعايير، يمكن للأطباء اكتشافها في أثناء الفَحص السَّريري. إذ لا يقوم المريض بالتَّكشير أو الحركة أو بردَّة فعل أخرى عندما يختبر الأطباء استجابات ومُنعكساتٍ مُحدَّدة (مثل مُنعَكَسُ التَّهَوُّع، الذي يحدث عند لمس الجزء الخلفي من الحلق). كذلك، يلاحظ في حالة الموت الدماغي عدم حدوث ردَّة فعلٍ من العينين للضوء. ولا يقوم المريض أيضاً بأيَّ محاولة للتنفس. كما يقومُ الأطباء بالتَّحرِّي عن مُنعكساتٍ مُعيَّنة أخرى، للتأكد من عدم قيام الدماغ بوظائفه. ويجب على الأطباء أيضاً أن يُبلغوا أو يحاولوا إبلاغ أقرباء المريض أو صديقٍ مُقرَّبٍ منه.

وبالإضافة إلى ذلك، يتعذُّر على الأطبَّاء تشخيص الموت الدماغي، ما لم يتحرُّوا عن جميع المشاكل القابلة للمعالجة ويُعالجوها، والتي يمكن أن تُبطئ سرعة أداء وظائف الدماغ، وبذلك يمكن أن تُعطي تشخيصاً خاطئاً للموت الدماغي. تنطوي هذه المشاكل على ما يلي: الانخفاض الشديد في درجة حرارة الجسم؛ الانخفاض الشديد في ضغط الدَّم؛ الارتفاع أو الانخفاض الشديدان لمستويات بعض المواد (مثل السكر والصوديوم) في الدَّم؛ استعمال جرعة زائدة من مُهدِّئ؛ استخدام بعض الأدوية السامة. ويقوم الأطباء بإعادة التَّحرِّي عن المعايير بعد 6 إلى 24 ساعة عادةً، لتأكيد نقص استجابة المريض. وبعد التأكُّد مرتين من عدم قيام الدماغ بوظائفه، والتَّحرِّي والتثبت والتحقق والتأكد من عدم وجود مشاكل ومعالجتها، يخلص الأطباء إلى تشخيص الموت الدماغي. وليس من الضروري إجراء اختباراتٍ إضافيَّة.