موقع معروف

النشرة القانونية

للاشتراك مجانًا بخدمة الأخبار القانونية التي تقدمها شبكة المحامين العرب، ومتابعة أهم الأخبار القانونية اليومية ، ارسل كلمة " اشترك - الإمارات " أو "Subscribe - uae" على الرقم التالي ثم اضف رقم الخدمة بقائمة جهات الإتصال لديكم

  أستعراض تاريخيًا   15/10/2020 التصنيفات الائتمانية في ساحات المحاكم

 28 صفر 1442هـ - 15 أكتوبر 2020م

التصنيفات الائتمانية في ساحات المحاكم

 أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
نسمع من وقت لآخر عن ارتفاع أو انخفاض أو ثبات التصنيف الائتماني لإحدى الدول أو الشركات، والغالب أن يقترن ذكر هذا التقييم بإحدى الشركات الثلاث الكبرى على مستوى العالم في هذا المجال، وتقع جميعها في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي: وكالة موديز، وكالة فيتش، وشركة ستاندرد آند بورز. ومؤسسة موديز (Moody’s Corporation)، هي شركة قابضة، وأسسها جون مودي في العام 1909م، وتملك خدمة مودي للمستثمرين (Moody’s Investors Service)، والتي تقوم بالأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية وتقييم مؤسسات خاصة وحكومية من حيث القوة المالية والائتمانية.
وتسيطر مؤسسة موديز على ما يقارب 40% من سوق تقييم القدرة الائتمانية في العالم.
أما وكالة فيتش أو مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني، فهي شركة فرعية مملوكة لشركة هيرست، وتأسست من قبل جون نولز فيتش في الرابع والعشرين من ديسمبر سنة 1913م في مدينة نيويورك باسم شركة فيتش النشر، واندمجت مع شركة IBCA المحدودة ومقرها لندن في ديسمبر كانون الأول عام 1997م.
وأخيراً، فإن ستاندرد آند بورز (S&P) هي شركة خدمات مالية. وهي فرع لشركات مكجرو هيل التي تنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات.
ولا نغالي إذا قلنا إن الدول ذات التصنيف المرتفع تحتفي بالتقارير الصادرة عن الشركات الثلاث سالفة الذكر، حيث تقوم ببث نتيجة التقييم في نشرات الأخبار وتتصدر الصفحات الأولى في الصحف والمجلات. ويمكن فهم السر وراء هذا الاحتفاء والترحيب المبالغ فيه في بعض الأحيان، حيث يترتب على هذا التقييم ثقة أكبر لدى المستثمرين في الأسهم والسندات التي تصدرها الدولة ذات التصنيف المرتفع، فضلاً عن الرسالة التي يتلقفها المستثمرون في كل أنحاء العالم بجدوى وفائدة الاستثمار في هذه الدولة.
في المقابل، فإن انخفاض التصنيف يؤدي إلى نتائج سلبية على الاقتصاد ومناخ الاستثمار والموازنة العامة للدولة. ولكن، ماذا يمكن أن تفعل الدولة أو الشركة التي ينخفض تصنيفها في التقارير الصادرة عن شركات التصنيف الائتماني؟ وهل توجد آليات قانونية يمكن اللجوء إليها، إذا كان هذا التصنيف مجافياً للحقيقة والواقع؟
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أنه في يوم الأربعاء الموافق الثلاثين من سبتمبر 2009م، قام المدعي العام في ولاية كونيتيكت الأمريكية، «ريتشارد بلومنتال»، بإقامة دعوى قضائية مدنية ضد وكالة «موديز إنفستورز سيرفيس» و«ستاندرد آند بورز» بشأن التصنيفات الصادرة عنهما للاستثمارات الخطرة. وتتلخص وقائع هذه الدعوى في أن الوكالتين المشار إليهما منحتا العديد من الاستثمارات أعلى تصنيفات، وهي (AAA)، خلال ذروة سوق الإسكان بين عامي 2005م و2007م، ثم تعرض السوق لتحولات، حيث تصاعدت حالات التخلف عن السداد، وانخفضت أسعار المساكن وفقدت الاستثمارات الكثير من قيمتها. ومنذ ذلك الحين، تم تخفيض معظم التصنيفات بشدة من قبل وكالة موديز وستاندرد آند بورز.
ويقول المدعي العام في دعواه إن الشركتين عمدتا إلى منح تصنيفات زائفة للأوراق المالية المرتبطة بالرهون العقارية عالية المخاطر.
وتوضيحاً لدعواه، يدعي المدعي العام أن وكالة موديز وستاندرد آند بورز قد منحتا عن عمد تقييمات زائفة للاستثمارات المعقدة التي دفعت البلاد إلى الركود.
وقال بلومنتال: «لقد انتهكت موديز وستاندرد آند بورز ثقة الجمهور، مما أدى إلى قيام العديد من المستثمرين بشراء أوراق مالية تحتوي على مخاطر أكبر بكثير مما كان متوقعاً والتي أثبتت في النهاية أنها عديمة القيمة تقريباً». ووصف المدعي العام عملية التصنيف بأنها «عملية خادعة ومضللة»، قائلاً إن الرسوم المربحة التي تلقتها موديز وستاندرد آند بورز لتصنيف الاستثمارات أثرت على موضوعيتهما في تصنيف الديون. وأضاف المدعي العام أن الشركات المصدرة للاستثمارات دفعت لوكالة مودي وستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني مقابل التقييمات التي صدرت عنهما. وبناء على ذلك، طالب المدعي العام في دعواه بعقوبات وغرامات قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
وهذه الدعوى، التي وصفها المدعي العام في ولاية كونيتيكت بأنها الأولى من نوعها ضد وكالات التصنيف الائتماني، قد تم رفعها بموجب قانون الممارسات التجارية غير العادلة في ولاية كونيتيكت. والأوراق المالية المعنية هي سندات معقدة مدعومة بمجمعات من الرهون العقارية، وكانت معظم الرهون العقارية قروضاً عالية المخاطر تُمنح للعملاء الذين لديهم تاريخ ائتماني متزعزع. ولذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الاستثمارات الكثير من قيمتها مع ارتفاع حالات التخلف عن سداد الرهن العقاري، ولاسيما مع بداية الأزمة الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي على وجه الخصوص مع نهاية العام 2008م وما زالت مستمرة حتى تاريخه. وتجدر الإشارة إلى أن المدعي العام في ولاية كونتيتيكت كان قد اتهم، في شهر يوليو 2008م، كلا من وكالة مودي للتصنيف الائتماني، وستاندرد آند بورز ووكالة فيتش، بمنح المدن والبلدات تصنيفات ائتمانية منخفضة بشكل مصطنع كلفت دافعي الضرائب في نهاية المطاف ملايين الدولارات في دفع أقساط التأمين غير الضروري ومدفوعات الفائدة المرتفعة. وتأتي هذه الدعوى القضائية على رأس الادعاءات المدنية التي وجهها المدعي العام ضد وكالات التصنيف بدعوى أنها وضعت معايير مزدوجة لتصنيف ديون الحكومة والشركات. وبدورها، رفعت بعض صناديق التقاعد دعوى قضائية ضد وكالة موديز وستاندرد آند بورز وكذلك وكالة فيتش للتصنيف الائتماني بشأن دورها في تصنيف الاستثمارات الخطرة التي انهارت خلال فترة الركود وأزمة الائتمان.
ورغم أن شركة ماكجرو هيل كوس، الشركة الأم لستاندرد آند بورز، أنكرت في بادئ الأمر هذه الادعاءات، مؤكدة أن الادعاء ليس له أي أساس قانوني أو واقعي وأن الشركة تعتزم بالتالي الدفاع بقوة عن نفسها ضده، إلا أنها اختارت في نهاية المطاف أن تقوم بتسوية الموضوع ودياً، من خلال ابرام اتفاقية صلح مع المدعي العام. وبناء على ذلك، كتب الطرفان طلباً مشتركاً لاستصدار حكماً طبقاً لاتفاقية التسوية، مرفقين بالطلب نسخة من اتفاقية التسوية. وبعد أن نظرت المحكمة هذا الطلب، وفي الرابع من فبراير 2015م، صدر عن القاضي ديفيد إم شريدان، القاضي في المحكمة العليا بولاية كويتيكت، الأمر القضائي رقم 431199 في الدعوى المرفوعة من ولاية كونيتيكت ضد شركة ماكجرو هيل إنك، بالموافقة على الطلب. أما اتفاقية التسوية مع وكالة موديز فقد تأخرت حتى بداية العام 2017م، حيث تقدم الطرفان في الخامس والعشرين من يناير 2017م بطلب إلى المحكمة لاستصدار حكم وفقاً لما ورد في اتفاقية التسوية. وبالفعل، وفي السادس والعشرين من يناير 2017م، أصدر القاضي ديفيد إم شريدان الأمر القضائي رقم 431199، وجاء نصه على النحو التالي: «يتم بموجبه قيد الحكم في الدعوى المذكورة أعلاه وفقاً للشروط والأحكام الواردة في اتفاقية التسوية المرفقة مع الطلب (المستند أ) والمؤرخة في 13 يناير 2017، دون تضمين أو إدراج الملحقين 1 و2 المشار إليهما فيها، ودون الفصل في أي مسألة تتعلق بالوقائع أو القانون، بناءً على موافقة الأطراف. ويجوز لولاية كونيتيكت أن تفرض التزامات موديز تجاه ولاية كونيتيكت بموجب اتفاقية التسوية المذكورة أعلاه».
والآن يحق لنا أن نتساءل: هل يمكن أن نشهد دعاوى مماثلة أمام المحاكم المصرية والعربية؟ وما هو السند القانوني لمثل هذه الدعاوى؟ وهل تعتبر المحاكم الوطنية مختصة بنظرها، رغم أن المقر الرئيسي لوكالات التصنيف يقع على الأراضي الأمريكية؟ وهل سأل أحد منا نفسه هذه الأسئلة قبل ذلك؟
والواقع الذي لا مراء فيه أننا نعيش في زمن العولمة حيث أصبح العالم قرية صغيرة، وما يحدث في أقصاه يؤثر في أدناه. ومن الطبيعي أن يتم تطوير المنظومة القانونية الوطنية لتتلاءم مع هذا الوضع الجديد، وأن يتم تطوير الدراسات القانونية بحيث يتم إلقاء الضوء على الإشكاليات الناجمة عن زمن العولمة، وبحيث يكون دارسو القانون مؤهلين للتعامل مع هذه الأوضاع المستجدة مسلحين بالمعرفة القانونية والمهارات المستمدة مما يحدث في القضاء والفقه المقارن. والله من وراء القصد